http://www.alkawsr.com/2009/04/16/%D...8%A7/#more-309الجامع لأحكام القرآن
الإصدار 2.02 - للإمام القرطبي >> الجزء 1 من الطبعة >> المقدمة >> باب ذكر نكت في إعجاز القرآن ، وشرائط المعجزة وحقيقتها.
المعجزة واحدة
معجزات الأنبياء الدالة على صدقهم صلوات الله عليهم
وسميت معجزة لأن البشر يعجزون عن الإتيان بمثلها ، وشرائطها خمسة، فإن اختل منها شرط لا تكون معجزة.
الشرط الأول ( مما لا يقدر عليها إلا الله سبحانه )
من شروطها أن تكون مما لا يقدر عليها إلا الله سبحانه
وإنما وجب حصول هذا الشرط للمعجزة لأنه لو أتى آت في زمان يصح فيه مجيء الرسل وادعى الرسالة وجعل معجزته أن يتحرك ويسكن ويقوم ويقعد لم يكن هذا الذي ادعاه معجزة له
ولا دالا على صدقه لقدرة الخلق على مثله
وإنما يجب أن تكون المعجزات
كفلق البحر و انشقاق القمر
وما شاكلها مما لا يقدر عليها البشر
الشرط الثاني ( أن تخرق العادة )
هو أن تخرق العادة
وإنما وجب اشتراط ذلك لأنه لو قال المدعي للرسالة :
( آيتي مجيء الليل بعد النهار وطلوع الشمس من مشرقها )
لم يكن فيما ادعاه معجزة
لأن هذه الأفعال وإن كان لا يقدر عليها إلا الله
فلم تفعل من أجله
وقد كانت قبل دعواه على ما هي عليه في حين دعواه
ودعواه في دلالتها على نبوته كدعوى غيره فبان أنه لا وجه له يدل على صدقه
والذي يستشهد به الرسول عليه السلام له وجه يدل على صدقه
وذلك أن يقول: الدليل على صدقي أن يخرق الله تعالى العادة من أجل دعواي عليه الرسالة
فيقلب هذه العصابة ثعبانا
ويشق الحجر ويخرج من وسطه ناقة
أو ينبع الماء من بين أصابعي كما ينبعه من العين
أو ما سوى ذلك من الآيات الخارقة للعادات
التي ينفرد بها جبار الأرض والسماوات فتقوم له هذه العلامات مقام قول الرب سبحانه
لو أسمعنا كلامه العزيز وقال: صدق، أنا بعثته
ومثال هذه المسألة - ولله ولرسوله المثل الأعلى - ما لو كانت جماعة بحضرة ملك من ملوك الأرض، وقال أحد رجاله وهو بمرأى منه والملك يسمعه:
الملك يأمركم أيها الجماعة بكذا وكذا
ودليل ذلك أن الملك يصدقني بفعل من أفعاله
وهو أن يخرج خاتمه من يده قاصدا بذلك تصديقي فإذا سمع الملك كلامه لهم ودعواه فيهم
ثم عمل ما استشهد به على صدقه
قام ذلك مقام قوله لو قال: صدق فيما ادعاه عليّ
فكذلك إذا عمل الله عملا لا يقدر عليه إلا هو
وخرق به العادة على يد الرسول
قام ذلك الفعل مقام كلامه تعالى لو أسمعناه
وقال: صدق عبدي في دعوى الرسالة
وأنا أرسلته إليكم فاسمعوا له وأطيعوا.
الشرط الثالث ( يستشهد بها مدعي الرسالة )
هو أن يستشهد بها مدعي الرسالة على الله عز وجل
فيقول: آيتي أن يقلب الله سبحانه هذا الماء زيتا أو يحرك الأرض
عند قولي لها: تزلزلي فإذا فعل الله سبحانه ذلك حصل المتحدى به
الشرط الرابع ( أن تقع على وفق دعوى المتحدي بها المستشهد بكونها معجزة له )
هو أن تقع على وفق دعوى المتحدي بها المستشهد بكونها معجزة له
وإنما وجب اشتراط هذا الشرط لأنه لو قال المدعي للرسالة:
آية نبوتي ودليل حجتي أن تنطق يدي أو هذه الدابة فنطقت يده أو الدابة بأن قالت: كذب وليس هو نبي
فإن هذا الكلام الذي خلقه الله تعالى دال على كذب ذلك المدعي للرسالة
لأن ما فعله الله لن يقع على وفق دعواه
وكذلك ما يروى أن مسيلمة الكذاب لعنه الله تفل في بئر ليكثر ماؤها فغارت البئر وذهب ما كان فيها من الماء
فما فعل الله سبحانه من هذا
كان من الآيات المكذبة التي ظهرت على يديه
لأنها وقعت على خلاف ما أراده المتنبئ الكذاب.